نار الفجوة المالية تلفح الحكومة: المودعون والمصارف في خندق واحد -- Dec 23 , 2025 24
تحت الضغط الدولي، تقارب الحكومة راهناً أخطر ملف منذ تشكيلها، وهو الفجوة المالية وتوزيع الخسائر الناجمة عن ألف سبب وسبب. وعلى الرغم من التخبّط الذي رافق الحكومات المتعاقبة منذ الإنهيار المالي في العام 2019، فإن حكومة الرئيس نواف سلام قررت أن تواجه المشكلة، علّها بذلك تفتح حنفية الإستثمارات الخارجية وتدفّق الأموال إلى لبنان مجدداً، إعتباراً من العام الجديد، وهو شرط رئيس فرضه أصدقاء لبنان العرب والأجانب قبل أية مبالغ سيتم ضخّها في شرايين الإقتصاد اللبناني المتصلّبة، لكنّ الحكومة بمشروع قانونها الحاضر على طاولة مجلس الوزراء، قد فتحت أبواب جهنّم بوجهها، من المودعين إلى جمعية المصارف تحت عناوين كثيرة أبرزها شطب الودائع وتحميل المصارف مسؤولية الفجوة والتسديد للمودعين، وتهرّب الدولة من تسديد خسائرها للمصرف المركزي.
المواجهة بدأت باكراً وقبل أيّ نقاش على طاولة مجلس الوزراء لبنود مشروع القانون، فالمودعون شعروا بالظلم اللاحق بهم من خلال شطب ودائعهم التي تتخطى مئة ألف دولار فإتّجوا إلى التصعيد في الشارع، والمصارف رأت "الموسى وقد اقتربت من ذقنها" عبر تسديد الودائع من كيسها، لأن الدولة تتهرّب من تسديد ديونها للمصرف المركزي والتي تقارب سبعة عشر مليار دولار، أما طليع المعارضين للمشروع، فكان رئيس لجنة الإقتصاد النيابية فريد البستاني الذي توعّد بمواجهة المشروع وإسقاطه فاتحاً لائحة الشرف للنواب المعارضين للقانون.
ويرى خبير مالي وإقتصادي أن "للمودعين الحق في الدفاع عن حقوقهم وجنى أعمارهم، بوجه قانون مجحف يقضي على ودائعهم التي تزيد عن مئة ألف دولار، إذ إن جزءًا واسعًا من هذه الودائع سيُشطب بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عبر تحويل العملات أو من خلال سندات طويلة الأمد، ذات فوائد متدنية تؤدي إلى تآكل رأس المال. ولفت إلى أن أموال المودعين استُخدمت لتمويل عجز الدولة المزمن والاستيراد الخارجي لصالح دولتين هما لبنان وسوريا، من دون أية إصلاحات بنيوية في المالية العامة أو القطاع العام". الخبير المالي "حذّر من الشروط المتشددة لصندوق النقد الدولي، التي تطالب بإعفاء الدولة من مسؤولياتها المالية، من خلال تصفير ديونها، الأمر الذي يمس مباشرة بأموال المودعين".
أما التلميح إلى استخدام الذهب، "فينطوي على مخاطر كثيرة بحسب الخبير المالي إذ بالإمكان التصرّف بجزء منه عبر البيع أو الإقراض بفائدة متدنّية أو الرهن، ولكن من يضمن أن تدفع الدولة لفك الرهن مستقبلاً إن سلكت هذه الطريق؟ وهنا يضيع الذهب وتنهار الليرة أكثر وتغرق البلاد بأزمة مالية وإجتماعية صعبة جداً".
ولأن مشروع قانون الإنتظام المالي لا يتضمن محاسبة للمسؤولين عن الأزمة، ولا يستأنف التدقيق الجنائي، يبقى التعويل على الاستحقاق الإنتخابي لإرغام القوى السياسية على عدم السير به كما ورد إلى مجلس الوزراء، حفاظاً على قواعدها الإنتخابية، من هنا تتجه الأنظار اليوم إلى كيفية تعاطي وزراء القوات والثنائي أمل-حزب الله مع المشروع، مع ترجيحات بخضوعه لبعض التعديلات قبل إقراره وإحالته إلى مجلس النواب، حيث سيكون الإختبار الأصعب الذي يكشف حاجة كل القوى السياسية إلى أصوات المودعين.